في المفهوم البشري العام، تستغرق الولادة تسعة اشهر كي تتم بشكل طبيعي، ولكن في السياسة قد تطول هذه الفترة وتقصر، خصوصاً اذا كان الامر يتعلق باستحقاقات منتظرة في لبنان. قرابة التسعة اشهر مرت على تكليف النائب سعد الحريري تشكيل الحكومة المنتظرة "لانقاذ لبنان"، لكن ما حدث بالفعل هو ان لبنان استمر في الغرق، واستفحلت الخلافات بين المسؤولين وبدأ كل يغني على ليلاه. في الخارج كان الترقب سيد الموقف، الى ان اتخذ القرار بالضغط تدريجياً على الساحة اللبنانية ووضع المشكلة السياسية على نار خفيفة في انتظار التسوية التي ستجعل النار حامية جداً بعد اتمامها.
خيّم التفاؤل على اجواء الايام الماضية في ما خص تشكيل الحكومة، وذهب البعض الى التأكيد انها ستبصر النور في وقت قريب جداً، مستندين الى المهلة التي حددها رئيس مجلس النواب نبيه بري للحسم في هذا الموضوع، وهي نهاية الاسبوع الحالي. ولكن، على الرغم من هذا الدليل، هناك مؤشرات ومعطيات ساهمت الى حد كبير في احراز هذا التقدم، اولها كما سبق وذكرنا الضغط التدريجي (غير الحاسم) للقوى الخارجية، ما دفع باللاعبين المحليين في لبنان الى اعادة النظر في ميزان الربح والخسارة بفعل عامل الوقت. اما الاسباب الاخرى فعديدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تقبّل فكرة اعتذار الحريري بعد ان كانت من المستحيلات. واخذت الامور في هذا المجال منحى جدياً، بفعل التحرك الناشط الذي سجّل لكل من النائب فيصل كرامي، والدفع باسم نواف سلام الى الواجهة من جديد، مع بقاء اسم فؤاد مخزومي مطروحاً ايضاً. الا ان الحركة غير الاعتيادية لكرامي وجدول لقاءاته اثار التساؤل المشروع حول ما اذا كان يتم تحضيره ليكون بديل الحريري، فيما رأى آخرون ان سلام اسقط حواجز اساسية في طريق تمسيته، اذا ما اقتضى الامر، معطياً ملامح مطمئنة الى كل من عارض تسميته سابقاً.
وعلى خط آخر، كان حزب الله عبر امينه العام اكثر جزماً بأنه دخل بقوة على خط التشكيل، ولو انه وضع بري في الواجهة، وما كلامه عن وجوب عدم تحديد مهل مع الاسراع في وجوب التشكيل، سوى تلميح الى ان الامور سالكة في الطريق الصحيح. ولكن الاهم كان انتفاضته في اطلالته الاخيرة على المحتكرين ورفع النبرة تجاههم، وحثّ الدولة على التحرك في هذا الاطار، قبل ان يحذّر من القيام بخطوة مستقلة لايصال الوقود والمازوت من ايران الى لبنان مباشرة من دون تدخل الدولة، مع رفع التحدّي لجهة القدرة على منع افراغ حمولة البواخر ارضاء للولايات المتحدة او غيرها من الدول. هذا الكلام ترك اثره ايضاً على الساحة، حيث عبّر عن تنامي الضغوط الخارجيّة من جهة، وبدء تجاوب اللاعبين المحليين معها داخلياً، للاسراع في تشكيل الحكومة قبل الوصول الى الموعد الحاسم بعد انجاز التسوية الاقليمية-الدولية. واذا كنا بالفعل امام ايام حاسمة، تكون الحكومة قد تشكلت بفعل ولادة قيصرية، وسيتنافس الجميع، نعم الجميع، على قطف ثمارها، واستثمارها في الانتخابات المقبلة. اما في حال التعثر مجددًا، وهو امر مستبعد حالياً، فإن الوقت لن يطول كي يتم اختيار البديل الّذي سيحظى بدعم الكتل النيابية، ومن المرجح ان يتم الحفاظ على ماء وجه الحريري من خلال "اخذ رضاه" على بديله، فيما سيعمد تيار المستقبل الى تكريس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والنائب جبران باسيل بمثابة عدوّين لدودين وسيخوض الانتخابات المقبلة على هذا الاساس، ما سيؤمّن له شدّ العصب السنّي في ظلّ التحدّيات والصعوبات الكبيرة التي سيواجهها الحريري الخارج من السراي الكبير والمهدّد سياسياً من قبل اطراف سنّية كثيرة وفي مقدمها الاخ الكبير بهاء.